فصل: الحق في أمور الشورى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي (نسخة منقحة)



.الحق في أمور الشورى:

ولكن يجب أن نعلم أنه على مقدار تقوى الله عز وجل والعلم بشريعته والتمسك بها يكون الوصول إلى الحق في أمور الخلاف ومعرفة الصواب في أمور الشورى والاجتهاد. مما يدل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر بني قريظة قرابة شهر في حصونهم وصياصيهم ثم قبلوا النزول من حصونهم ولكن على حكم سعد بن معاذ الذي كان حليفًا لهم في الجاهلية ظنًا منهم أنه سيكون رحيمًا بهم، وقبل الرسول صلى الله عليه وسلم عرضهم هذا، ثم دعي سعد من المدينة حيث كان يمرض فيها من سهم أصابه في الخندق. فقال سعد بعد أن جلس للحكم: حكمي نافذ على الجميع؟ فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن نعم»، وكذا فعل رؤساء اليهود، فقال سعد: فإني أحكم بأن تقتل مقاتلتهم وتسبى نساؤهم وذراريهم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات» وهذا هو الشاهد من سوقي لهذه القصة، فإن سعدًا رضي الله عنه باجتهاد الصادق وخوفه وتقواه وعلمه حكم هذا الحكم في الذين خانوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى قول الرسول السابق «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات» أي هذا حكم الله فيهم، ومعنى ذلك أنه لو أنزلت آيات فيهم لكان مضمونها هو الذي حكم به سعد بن معاذ رضي الله عنه.
فإذا كانت الشورى هي اشتراك مجموعة من الناس في الاجتهاد للتوصل إلى ما يرضي الله في الأمور التي تعرض للمسلمين ويطلبون حلها فإن أقرب الناس إلى الحق في ذلك هم الذين يتجردون لله عز وجل ويقولون الحق ولا يخافون في الله لومة لائم. فنسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وإحسانه.

.الفروق الأساسية بين الإمامة العامة والجماعات الخاصة:

في الفصل السابق عرفنا أن الشورى: استطلاع الرأي من ذوي الخبرة للوصول إلى أقرب الأمور للحق، فإنها لا تكون إلا حيث يجهل الحق فإن علم فلا شورى، وأن الأمور التي لا تعرف نتائجها كشئون الحرب، وسياسة الدولة، هي أهم ميدان للشورى وسيأتي تفصيل هذا الأمر والأقوال فيه في مجالات الشورى إن شاء الله تعالى. وعرفنا أيضًا أن أسعد الناس حظًا بالوصول إلى الحق في أمور الاجتهاد والشورى هو الذي يخلص دينه لله سبحانه وتعالى، ويقول الحق لا يخاف فيه لومة لائم.
وقد رأيت قبل استكمال بحث الشورى أن أضع أمام القارئ الفروق الأساسية بين الإمام العامة وهي الولاية أو الخلافة، وبين الإمارات الخاصة وأعني بها الجماعات التي يؤلفها المسلمون لتنظيمهم شأن من شئون دينهم أو دنياهم وذلك أن الناس في وقتنا أصبحوا يخلطون بين الإمامة العامة التي هي خلافة الإسلام الكبرى التي يقيمها المسلمون لتطبيق شريعة الله عز وجل، وتنظيمهم شئون حياتهم ومعاشهم، وبين الجماعات التي يؤلفونها للدعوة إلى دين الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعطون أحيانًا لأمير جماعة الدعوة ما لا يجوز أن يعطي إلا لإمام المسلمين العام ويقع الناس بسبب ذلك في حيرة وإرباك. وتبلغ هذه الحيرة أقصاها في وسائل الطاعة، والخروج من الجماعة، والشورى.
ولذلك أحببت قبل أن أستطرد في بحث الشورى أن أفرق بين هاتين الجماعتين، حتى لا ينزل كلامي في الشورى في غير منازله. وسيكون بحث موضوع الشورى متعلقًا بكونه أحد قواعد الشريعة وعزائم الأحكام في الحكم الإسلامي وكونه نظامًا واجب الاتباع في سياسة جماعات الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.

.تعريف-أولًا- الإمامة العامة:

فالإمامة العامة أو الخلافة هي التي يناط بها إقامة شرع الله عز وجل، وتحكيم كتابه، والقيام على شئون المسلمين، وإصلاح أمرهم، وجهاد عدوهم.
ولا خلاف بين المسلمين على وجوبها ولزومها، وإثمهم جميعًا إذا قعدوا عن إقامتها وإن كان هناك خلاف فيمن هو أحق بها؛ والشروط التي يجب توافرها فيمن يتولاها ولا خلاف بينهم أيضًا – كما أوجبت ذلك نصوص الكتاب والسنة وسيأتي بيان لهذا: إن الطاعة واجبة لولي الأمر المسلم ما لم يأمر بمعصية، وإن الخروج عن الجماعة والشذوذ موجب للعقوبة الأخروية والميتة الجاهلية. وقد اتفق أهل السنة على ما دلت عليه النصوص الواضحة من وجوب النصح للإمام المسلم وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر ولو أدى ذلك إلى قتل الآمر، وإن ذلك أيضًا أفضل الجهاد، وكذلك اتفقوا على أنه لا يجوز الخروج على ولي الأمر المسلم، ودفعه بالقوة ما لم يروا كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان، وأما المعتزلة فإنهم رأوا الخروج عليهم بالقوة إذا فعلوا منكرًا، وجعلوا هذا داخلًا في قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
فجعلوا الإنكار باليد عامًا في تغيير منكر الإمام وغيره، ورأى أهل السنة أن هذا العام مخصوص بالأحاديث الآمرة بتغيير مناكر الإمامة-غير الكفر- باللسان والقلب فقط.

.ثانيًا: الجماعات الخاصة:

وأما الجماعات الخاصة التي تستلزم الإمارة فإنها متعددة وذلك بحسب مصالح الدين والدنيا التي تناط بها، وأشهر هذه الجماعات ثلاث هي: جماعة الدعوة، وجماعة السفر، وجماعة الغربة.
فأما جماعة الدعوة إلى الله تبارك وتعالى فقد استلزم وجودها إهمال أولياء أمور المسلمين الحكم بشريعة الله، وتحكيم كتابه ومجاهدة أعداء دينه، مما أطمع في المسلمين أعداءهم، وأذهب شوكتهم وساعد على نشوء أجيال من أبناء المسلمين تجهل الإسلام وتعادي رسالته، ولذا كان تأليف الجماعات للدعوة لله تبارك وتعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته، وتحكيم شريعته، وتربية ناشئة المسلمين على الإسلام فرضًا لازمًا، ومن قال بغير ذلك فقد جهل دين الله تبارك وتعالى. وذلك أن الفرد لا يستطيع وحده أن يسهم كثيرًا في سد هذه الثغرات. والقيام بهذه التكاليف، ولذلك كان التعاون لازمًا مفروضًا كما قال تبارك وتعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} ومن ألزم التقوى والبر: الجهاد في سبيل الله، والعمل لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى وتربية ناشئة المسلمين في عصورنا هذه، فتعين أن يقوم بها المسلمون أنفسهم، ولن يستطيع الأفراد أن يقوموا بها، فلذا لزم تأليف الجماعات والهيئات لسد هذه الثغرات.
وأما إمارة السفر فالأصل فيها قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» رواه أحمد، والحكمة في إمارة السفر هو تنظيم شأن الجماعة المسافرة، وإبعادها عن التنافر والخلافة وتعاونها، على الخير والمنافع العامة وكذلك الشأن لجماعة العزلة والغربة، فاتحادات الطلاب والمغتربين المسلمين في ديار الغرب ضرورة لازمة للمحافظة على إسلامهم وإيمانهم وتعاونهم على البر والتقوى ولا يتأتى هذا إلا بتنظيم الجماعة وتعيين الأمراء.

.الفروق الأساسية:

وبهذا التعريف العام لجماعة المسلمين وإمامهم، وجماعات الدعوة والسفر والغربة وإماراتها والوظائف والغايات المنوطة بكل منها نستطيع إجمال الفروق فيما يلي:

.1- المستند الشرعي:

المستند الشرعي للإمامة العامة هو إجماع المسلمين على وجوب القيام بها، قال الماوردي في الأحكام السلطانية: (الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع)، وكذلك الأوامر الشرعية التي لا تحصى كثيرة التي تلزمنا وجوب تطبيق شريعة الله وأحكامه ومعلوم-عقلًا- أنه يستحيل تطبيق شريعة الله كاملة، وأحكامه تامة إلا بحكم إسلامي شرعي، ولم يخالف في هذا قديمًا إلا الأصم من المعتزلة، وتلامذة الغرب في العصر الحاضر كما قال علي عبد الرازق في كتابه: (الإسلام وأصول الحكم) بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقم بتأسيس دولة بالمعنى المفهوم في عصرنا وما كان إلا رسولًا فقط، وما كانت أعماله التي تبدو-كما زعم- من سياسة الملك والرئاسة إلا وسيلة لتثبيت الدين وتأييد الدعوة، وقد أخذ هذا الفكر الخبيث ينتشر في أوساط المسلمين حتى أصبحت هذه القضية المسلمة المجمع عليها تحتاج إلى إثبات وبيان، وإذا لم يكن أمر الإمامة واقعًا فلا أقل من اعتقاد وجوبه على المسلم لأن نفي الاعتقاد بوجوب الواجب والمعلوم من الدين ضرورة كفر بإجماع المسلمين.
وأما جماعات الدعوة فمستندها الشرعي هو الأوامر الصريحة الواضحة من كتاب الله تبارك وتعالى بوجوب تغيير المنكر، ونشر المعروف وقد جعل سبحانه وتعالى هذا صفة لازمة من صفات الأمة حيث قال: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} ومعلوم أن هذا التغيير الآن لا يكفي فيه الأفراد بعد أن تخلت الحكومات عن فعله بل قد تلبست بضده من نشر الفاحشة وترويجها وإشاعة المنكر عن قتل المعروف فتعاون الأفراد هنا لازم واجب. فقول الله تبارك وتعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} يصبح واجبًا لازمًا إذا كان الأمر الذي يجب أن نتعاون عليه واجبًا لازمًا، وهذا شأن فروض الكفايات التي لا تؤدى بفرد واحد، والدعوة إلى الله تبارك وتعالى من ألزم هذه الفروض بل هي ألزمها. والجماعة من لوازم الدعوة، فمصالح الأمة التي أهملها من يتولون أمور المسلمين الآن لا تحصى كثرة فالجهاد في سبيل الله، ولا أعني به القتال فقط بل الجهاد بمعناه العام الشامل معطل كله وها هو الإسلام يرمى من كل صوب بسهم، فسهام إلى عقائده، وسهام إلى شرائعه، وسهام إلى آدابه وأخلاقه، ولا راد ولا مدافع إلا القليل القليل. ولذلك تتراكم الشبهات وتكثر وتنشأ ناشئة المسلمين فتتشرب هذه الشبهات وتشربها قلوبهم فينشئون على بغض الإسلام وأهله ورسالته، فمن لهذا الجهاد غير الجماعات؟! وهذا الفسق يعلو كل يوم والفضيلة تختفي ولا يكفي في علاج هذا الطوفان فعل الأفراد بل لا بد من التعاون والتعاضد. ولذلك يجب أن يعلم الناس أن الإسلام الآن ليس نشاطًا محظورًا، بل هو نشاط واجب ولازم والقوة والسلطان الذي يقف في وجه هذا النشاط –ما دام أنه ملتزم بأدب الإسلام- قوة أو سلطان كافر، وقد أوضحت هذا جليًّا بحول الله وقوته في رسالتي المسماة: (الحد الفاصل بين الإيمان والكفر).